/ الفَائِدَةُ : (63) /
07/11/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / التَّعامل مع معارف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / / التَّقصير أَشَدُّ جرماً ومُؤاخذة وانحطاطاً من الغُلُوِّ / يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّنا نتعامل في هذه المسائل والمطالب المعرفيَّة مع علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومعارفهم وعقائدهم ، وهي جسيمة وعظيمة وخطيرة جِدّاً ، بعض مراتبها لا يحتملها مَلَكٌ مُقرَّب ـ كـ : جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم(1) ـ ولا نبيٌّ مرسل ـ كـ : النَّبيِّ إِبراهيم عَلَيْهِ السَّلاَم ـ ولا مؤمنٌ مُمتحن ـ كـ : سلمان رضوان الله عليه ـ . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي الصَّامت ، قال : « ... إِنَّ حديثنا صعب مُستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكيٌّ وعر ، لا يحتمله مَلَكٌ مُقَرَّب ، ولا نَبيٌّ مُرْسَلٌ ، ولا مؤمنٌ مُمتحنٌ . قلت : فَمَنْ يحتمله جُعِلْتُ فداك؟ قال : مَنْ شئنا يا أبا الصامت . قال أبو الصامت : فظننتُ أَنَّ للّٰـه عباداً هم أَفضل مِنْ هؤلاء الثلاثة »(2). ودلالته واضحة . لكن : الشَّكّ والتَّرَدُّد في علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومَعَارِفهم وعَقَائِدهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ يكشف عن وجود تقصير وعداء ونصب خفيّ لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لا تسمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر ؛ لأَنَّا آيات الله ودلائله ... ولو قال قائل : لِمَ ، وكيف ، وفيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... مَنْ آمن بما قلتُ وصدَّق بما بيَّنتُ وفسَّرتُ وشرحتُ وَأَوضحت ونوَّرتُ وبرهنتُ فهو مؤمنٌ مُمتحن ، امتحن اللهُ قلبه للإِيمان ، وشرح صدره للإِسلام ، وهو عارف مُستبصر ، قد انتهىٰ وبلغ وكمل ، وَمَنْ شَكَّ وعند وجحد ووقف وتحيَّر وارتاب فهو مُقصِّرٌ وناصب ... » (3). ودلالته واضحة ، بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ النصب والعداء لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإِن عدَّه بعض العامَّة : خمسة عشرة دركة ؛ لكنَّ واقعه لا حدَّ ولا مُنتهىٰ له ، وليس له إِلَّا لظىٰ . وعلى المخلوق تحديد موقفه من طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومن معارفهم وعلومهم ؛ فإِنَّه على أَقلِّ تقدير أَنَّ الاِبْتِعَاد عنهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعن علومهم ومعارفهم لاسيما العقائديَّة تقصير جَلِيّ ، وهو أَشَدُّ ذنباً وجُرماً وانحطاطاً من الغُلُوِّ فيهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وفيها . والوجه : أَنَّ الباري (عَزَّ وَجَلَّ) طعن في قرآنه الكريم على النصارىٰ ونعتهم بـ :(الضَّالِّينَ) ؛ لغُلُوِّهم في النَّبيّ عيسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَم ، لكنَّه (جَلَّ شأنه) طعن في قرآنه الكريم أَيضاً على بني إِسرائيل بأَشَدِّ من ذلك ونعتهم بـ : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ؛ وذلك لتقصيرهم في معرفته عَلَيْهِ السَّلاَم ، وبين التَّعبيرين بون شاسع ، يكشف عن مدىٰ جرم التَّقصير وشناعته وانحطاطه ؛ لاسيما في معرفة علوم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وحقائقهم لاسيما طبقاتها الصَّاعدة . وعليه : فليلتفت الهارب من شائبة الغُلُوّ في حَقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ومعارفهم وعلومهم أَنْ لا يرتطم من حيث لا يشعر بمحذور التَّقصير ، وهو الأَشنع والأَشَدُّ جرماً وانحطاطاً ومُؤاخذة لاسيما في حَقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعلومهم ومعارفهم لاسيما العقائديَّة ؛ وذلك عن طريق الاِبتعاد وعدم التَّعَرُّض لمعارفهم وعقائدهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الواردة في طبقات حقائقهم لاسيما الصَّاعدة . والنَّجاة تكمن في الجادَّة الوسطىٰ ، وهي : (الأَمرُ بَيْنَ الأَمرين)، وذلك عن طريق الأَخذ ببيانات الوحي الواردة في حَقِّهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بعد عرضها على مُحكمات الشَّرع والدِّين . بل ورد في بيانات الوحي : أَنَّ التَّقصير في حَقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وعقائدهم ومعارفهم ومقاماتهم وشؤونهم وَأَحوالهم أَشنع وأَشدُّ جرماً ـ والعياذ بالله تعالىٰ ـ من النصب ؛ لأَنَّ النصب عداء لشيعتهم ؛ بخلاف التقصير فإِنَّه عداء لهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وأَيُّ جرمٍ أَعظم وَأَخطر من هذا . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ جواب الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عن سؤال المُفَضَّل بن عمر(4) ، قال : « ... يا مولاي ، مَنْ المُقصِّرة ...؟ قال : يا مُفضَّل ، هم الَّذين هداهم الله إِلى فضل علمنا، وأَفضىٰ إِليهم سرّنا فشكُّوا فينا ، وَأَنكروا فضلنا... قال المُفَضَّل : يا مولاي ، أَليس قد روينا عنكم أَنَّكم قلتم ... والتَّالي نلحقه بنا ، قال : ... التَّالي هم من خيار شيعتنا ، القائلين بفضلنا ، الْمُتَمَسِّكِين بحبل الله وحبلنا ، الَّذين يزدادون بفضلنا علماً ، وإِذا ورد على أَحدهم خبر قبله وعمل به ولم يشكّ فيه ، فإِنْ لم يطقه ردَّه إِلينا ، ولم يرد علينا ... »(5). 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... النَّاصبة أَعداؤكم ، والُمقَصِّر أَعداؤنا ؛ لأَنَّ النَّاصبة تُطالبكم أَنْ تُقدِّموا علينا أَبا بكر وعُمر وعثمان ، ولا يعرفوا من فضلنا شيئاً ، والمُقَصِّرة قد وافقوكم على البراءة مِـمَّن ذكرنا ، وعرفوا فضلنا فأَنكروه وجحدوه ، وقالوا : هذا ليس لهم ؛ لأَنَّهم بشرٌ مِثلنا ، وقد صدقوا أَنَّنا بشرٌ مِثْلهم إِلَّا أَنَّ الله بما يُفوّضه إِلينا من أَمره ونهيه فنحن نفعل بإذنه... »(6). ودلالتهما واضحة . ومن ثَمَّ وجب على العاقل ـ لاسيما مَنْ تَزيَّىٰ بجلباب الْعِلْم ـ بَذَلَ قُصَارَى جُهْدِهِ للخروج عن هذه الدَّائرة وعنوان التقصير وما يصاحبه من الأَمراض النفسيَّة والمعنويَّة ـ كـ : الجهل المُرَكَّب ، والقناعات المُسْبَقة ، والشَّكِّ والرِّيبة والتردُّد في قبول ما قام عليه الدَّليل من مقامات لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وشؤونهم وَأَحوالهم . والإِنسان وإِنْ كان حُرّاً في تصرُّفاته واعتقاداته لكنَّنا أَحببنا التَّنبيه على ذلك . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات إِلى أَنَّ اسم (جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم) مأخوذ من الجبروت والجبر ، ولهما معنيان : الأَوَّل : الغضب والقدرة . فلذا كان جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم مظهراً لغضب اللّٰـه تعالىٰ وقدرته وبطشه وجبروته ؛ ومن ثَمَّ جرىٰ العذاب الإِلٰهيّ لكثير من الأَقوام السَّالفة ـ كقوم لوط ـ على يديه . الثَّاني : جبر النقص بالكمال ، ومن ثَمَّ كان جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَم يمدُّ الأَنبياء والأَوصياء عَلَيْهم السَّلاَم بالوحي والْعِلْم اللَّدُنِّيّ ، بل ويمدُّ غيرهم من موارد جبر الكائنات . (2) بحار الأَنوار، 2: 192/ح34. (3)بحار الانوار، 26: 1 ـ 7/ح1 . (4) إِنَّ المفضَّل بن عمر كان من النُّوَّاب الخاصِّين للإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وهو ذو قدم راسخ في المعرفة وأَسرار المعارف والعقائد. (5) الهداية الكبرىٰ: 431. (6) عوالم العلوم: 5/77